مايكل فرومان: الجغرافيا السياسية وتأثيرها على بيئة الأعمال

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

إن العوامل الجيوسياسية مثل الحروب، والنزاعات التجارية، وتغيّر المناخ، والأوبئة أصبحت تشكّل تحديًا غير مسبوق يعيد رسم ملامح بيئة الأعمال العالمية. هذا الواقع المعقد يدفع القادة التنفيذيين إلى تجاوز التفكير التقليدي والتفكير في رؤى جديدة لمواجهة تحديات العصر. يُعد مايكل فرومان، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، شخصية بارزة جمعت بين الخبرة السياسية والمهنية، حيث شغل مناصب رفيعة في إدارات الرئيسين بيل كلينتون وباراك أوباما، إلى جانب مناصب قيادية في شركات كبرى مثل "سيتي جروب" و"ماستركارد"، بالإضافة إلى عضويته في مجلس إدارة شركة "والت ديزني". في مقابلة مع شوبهام سينغال، الشريك الأول في "ماكنزي"، حيث يستعرض فرومان التحولات الكُبرى في النظام العالمي، ويتناول ملامح النموذج الاقتصادي القادم وتأثير هذه التغيرات العميقة على الشركات واستراتيجياتها لمواكبة المستقبل.

أعقد مشهد دولي منذ ثمانية عقود

شوبهام سينغال: يشهد العالم اليوم تغيرات جذرية تعيد تشكيل ملامحه كما نعرفها. في السابق، كان بإمكان قطاع الأعمال تجاهل تأثيرات الجغرافيا السياسية إلى حد كبير، لكنها الآن أصبحت تحتل مركز الصدارة وتشكل عاملًا حاسمًا في صنع القرار. كيف يمكنك تعريف النظام الاقتصادي الجيوسياسي الحالي؟ وكيف تصف طبيعة العلاقات بين القوى الاقتصادية الكُبرى حول العالم في ظل هذه التحولات؟

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

مايكل فرومان: نحن نواجه اليوم واحدة من أكثر الفترات تعقيدًا على الساحة الدولية منذ ثمانية عقود. عادت سياسات القوى العُظمى إلى الواجهة بقوة، إلى جانب اشتعال الحروب في مناطق مختلفة من العالم، ليس فقط في الشرق الأوسط وأوروبا، ولكن أيضًا في إفريقيا، كما نشهد في السودان. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو التنافس غير المسبوق بين الصين والولايات المتحدة، بل والغرب بأكمله، وهو تنافس يمتد عبر مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والسياسة وحتى القوة العسكرية. وعلى الجانب الآخر، هناك قضايا عابرة للحدود، مثل الأوبئة وتغير المناخ، التي تتطلب تعاونًا دوليًا أكثر من أي وقت مضى. لكن المفارقة تكمن في أن هذا التعاون يواجه تراجعًا كبيرًا، حيث تبدو المؤسسات الدولية أضعف من أن تواجه هذه التحديات وتحتاج بشكل ملح إلى إصلاحات جذرية. لهذا السبب، أصبحت الجغرافيا السياسية تحتل مكانة رئيسية على أجندة الرؤساء التنفيذيين ومجالس الإدارات والإدارات العُليا. فهي تؤثر على قرارات استراتيجية مثل تحديد مواقع سلاسل التوريد، واختيار الشركاء التجاريين، واعتماد التكنولوجيا المناسبة. كما تلقي بظلالها على المخاطر المحتملة، مثل فرض العقوبات أو القيود التي قد تعيق قدرتهم على الاستمرار والتوسع.

شوبهام سينغال: العديد من فرق الإدارة اليوم لم يسبق لها التعامل مع عالم تتعدد فيه مراكز النفوذ والتأثير، مما يجعلها غير مهيأة للتعامل مع التحديات الناتجة عن الانقسامات والتغيرات المتسارعة في النظام العالمي. وحتى الشركات التي تعمل محليًا فقط تظل مرتبطة بشكل كبير بالعالم الخارجي من خلال التجارة والتكنولوجيا والعلاقات الاقتصادية، مما يتطلب منها الاستعداد للتكيف مع هذا الواقع المتغير. والسؤال هنا، هل ترى أن هذه الانقسامات ستزداد في المستقبل؟ وكيف يمكن للشركات، سواء كانت عالمية أو محلية، أن تتعامل مع هذه التحولات لضمان استقرارها ونموها في ظل هذه التحديات؟

مايكل فرومان: نحن نعيش اليوم في عالم منقسم، ومع مرور الوقت يبدو أن هذا الانقسام سيزداد تعقيدًا. ومع ذلك، لا يمكننا وصفه بعالم "متعدد الأقطاب" بشكل حقيقي، لأن هذا المصطلح يوحي بوجود ثلاث أو أربع كتل دولية تتعاون بشكل متكامل في مختلف المجالات، وهو ما لا يعكس الواقع الحالي. تمثل الهند نموذجًا بارزًا لهذا التباين. فهي تتعاون مع الولايات المتحدة في مجالات التكنولوجيا والاستثمارات والتعاون النووي المدني، لكنها تعتمد على إيران لتلبية احتياجاتها من النفط، وعلى روسيا لتأمين الأسلحة والذخائر. أما علاقتها مع الصين، فهي تتأرجح بين التعاون والخلاف، بناءً على القضايا المطروحة والظروف المحيطة. إن الهند تجمع بين الانضمام إلى مجموعة "بريكس"1 من جهة، والصدام مع الصين بشأن قضايا مثل النزاعات الحدودية من جهة أخرى. هذا المثال يجسد حالة النظام العالمي اليوم، حيث تتشكل التحالفات والعلاقات على أسس المصالح المتغيرة بدلاً من الانتماءات الثابتة أو التحالفات الدائمة، مما يعكس الطبيعة الديناميكية للتحديات الجيوسياسية الراهنة.

أصبح العالم اليوم أكثر تعقيدًا وتشابكًا، والهند ليست سوى مثال واحد يعكس هذا الواقع. يمكن أن ينطبق الأمر ذاته على دول مثل البرازيل وجنوب إفريقيا وإندونيسيا، حيث لم تعد التحالفات الدولية ثابتة كما كانت في الماضي. لم يعد بالإمكان تصنيف الدول ببساطة إلى "دول حليفة" أو "دول معادية"، بل أصبح لكل دولة مسارها الخاص ومصالحها المتغيرة. من منظور الولايات المتحدة، وكذلك من منظور الشركات متعددة الجنسيات، أصبح من الضروري التكيف مع هذا العالم المعقد، حيث نجد أن بعض الدول تعمل بتعاون وثيق مع الولايات المتحدة في مجالات محددة، بينما تقيم شراكات استراتيجية مع منافسين أو حتى خصوم لها في مجالات أخرى.

الصين ومخاطر استخدام الأدوات الاقتصادية

شوبهام سينغال: يبدو أن هذا ما دفعك للحديث عن أهمية وضع استراتيجية واضحة ومدروسة لاستخدام الأدوات الاقتصادية مثل قيود التصدير والقيود على الاستثمارات. لكن عندما يتعلق الأمر بالصين، ما هي المخاطر المحتملة لسياسة تضييق نطاق التصدير ورفع الحواجز لحماية التكنولوجيا والمصالح الاستراتيجية؟ وكيف يمكن لهذه السياسة أن تؤثر على العلاقات التجارية مع الصين وعلى المشهد الاقتصادي العالمي بشكل عام؟

مايكل فرومان: لسنوات طويلة، اعتمد الاقتصاد العالمي على مبدأ الكفاءة كأولوية، حيث كانت الشركات تبني سلاسل التوريد الخاصة بها في المواقع الأكثر توفيرًا للتكاليف والأعلى إنتاجية، وكان النجاح يُقاس بمدى تحقيق رفاهية المستهلك. لكن خلال العقدين الماضيين، أدركنا أن الكفاءة وحدها لا تكفي، بل يجب أن تواكبها مفاهيم مثل المرونة، والتنوع، والتكرار، والأمن القومي. اليوم، تواجه الشركات تساؤلات حاسمة مثل: هل يمكن الاستمرار في الاعتماد الكامل على الصين كمركز رئيسي للتصنيع أو على تايوان لتأمين أشباه الموصلات؟ أم أن الوقت قد حان لاعتماد استراتيجيات تضمن تنويع مصادر الإنتاج لتجنب الاعتماد المفرط على جهة واحدة؟ وهل يتطلب ذلك إعادة بعض أنشطة التصنيع إلى الداخل لتعزيز الاستقرار وتقليل المخاطر؟ هذه التحديات تفرض على الشركات ضرورة تحليل نقاط ضعفها واعتماد نهج استباقي يضمن تحقيق التوازن بين الكفاءة والمرونة، مما يمكنها من مواجهة الأزمات مع الحفاظ على تنافسيتها في السوق العالمية.

هذا النهج يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من استراتيجيات إدارة المخاطر. التنوع يعد القاعدة الذهبية في إدارة المخاطر، لكن مع مرور الوقت، أصبحنا نعتمد بشكل مفرط على سلاسل التوريد، مما خلق نقاط ضعف لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، يجب أن ندرك أن تعزيز المرونة والتنوع سيأتي بتكاليف إضافية. فعندما لا تكون الكفاءة هي الهدف الوحيد، ويتم موازنتها مع أهداف أخرى مثل الأمن القومي، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات. هذا الارتفاع لن يقتصر على المستهلكين فقط، بل سيشمل أيضًا الشركات التي تعتمد على استيراد مدخلات الإنتاج من الخارج. هذه الموازنات تمثل واقعًا لا مفر منه. لذلك، ما أؤكد عليه هو أهمية إجراء تحليل عميق ودقيق للتكاليف والفوائد عند اعتماد السياسات الاقتصادية. سواء تعلق الأمر بإعادة هيكلة سلاسل التوريد، أو فرض قيود على التصدير، أو تنظيم الاستثمارات الأجنبية، أو تطوير السياسات الصناعية، يجب أن نضمن أن المكاسب تفوق الأعباء. الهدف هو تبني سياسات تحقق التوازن بين تعزيز الاستقرار الاقتصادي وحماية المصالح الوطنية، مع مراعاة تأثيراتها على المدى البعيد.

شوبهام سينغال: هل يتم بالفعل تبني هذا النهج بشكل عملي ومدروس؟

مايكل فرومان: نحن نتعامل حاليًا مع القضايا بطريقة جزئية وغير شاملة، حيث نتحرك عندما يظهر تحدٍ محدد أو خطر يتعلق بالاعتماد المفرط على مصدر معين. حتى الآن، كانت هذه الإجراءات محدودة وتركز على أهداف بعينها. على سبيل المثال، قيود التصدير الحالية تركز على حماية بعض المجالات الحساسة فقط. لكن السؤال المهم هو: هل سنشهد مطالب متزايدة لتوسيع نطاق هذه السياسات؟ هل ستتضمن قيود التصدير مجالات إضافية؟ وهل ستتدخل الحكومات بشكل أكبر في السوق لتنظيمه بما يتماشى مع المصالح الوطنية؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى مناقشة عميقة لإيجاد التوازن بين حماية الأمن القومي وضمان استقرار السوق وتجنب عرقلة الاقتصاد العالمي.

إعادة تشكيل سلاسل التوريد في عصر الحماية التجارية المتزايدة

شوبهام سينغال: لطالما استفادت الشركات الأمريكية من الوصول إلى الأسواق في العديد من الدول، وهو أمر يرتبط بشكل كبير بوجود سلاسل التوريد الخاصة بها في تلك المناطق. والسؤال المطروح هو، كيف يمكن أن يتغير هذا الوضع مع مرور الوقت؟ وما تأثير ذلك على نمو الشركات وقدرتها على خلق القيمة؟

مايكل فرومان: من غير المتوقع أن نشهد في المستقبل القريب اتفاقيات تجارية كُبرى تهدف إلى فتح الأسواق أمام الصادرات الأمريكية كما كان الحال في الماضي. ومع ذلك، سيظل الاستثمار في بعض الدول خيارًا منطقيًا للشركات التي تسعى إلى خدمة أسواقها المحلية. فعلى سبيل المثال، قد تختار الشركات الاستثمار في الصين لتلبية احتياجات السوق المحلية هناك، لكن من غير المرجح أن تعتمد على الصين كقاعدة لتصدير منتجاتها، خاصة مع تنامي سياسات الحماية التجارية. لنأخذ قطاع السيارات الكهربائية كمثال، الأسواق الأمريكية والأوروبية بدأت تدريجيًا في الحد من الواردات الصينية في هذا المجال، مما يعكس التوجه المتزايد نحو حماية الصناعات المحلية. هذه التحولات تفرض على الشركات التفكير بعناية في استراتيجياتها الاستثمارية وإعادة صياغة سلاسل التوريد الخاصة بها لتكون أكثر توافقًا مع هذا الواقع الاقتصادي الجديد.

أعتقد أن هناك بوادر لظهور شكل جديد من الحماية التجارية، حيث ستبدأ الحكومات في تجاوز القواعد التقليدية التي تركز فقط على منشأ المنتجات أو الدولة التي جاءت منها. بدلاً من ذلك، سيصبح التركيز على قواعد الملكية، أي من هي الشركة المنتجة ومن يملكها. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، من المتوقع أن يتم البدء بمراجعة اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA)، التي تُعتبر النسخة الجديدة من اتفاقية "نافتا"2. وأتوقع تمامًا أن تثير الإدارة الأمريكية، خاصة خلال عهد ترامب، قضية الاستثمارات الصينية في المكسيك. هناك مخاوف من أن الشركات الصينية تستخدم المكسيك كمنفذ لتجنب الرسوم الجمركية المفروضة على الصين. لذا، قد يتم توجيه الأنظار إلى الشركات المصدرة من المكسيك للتحقق من مالكيها، واتخاذ قرارات بشأن السماح لتلك المنتجات بدخول السوق الأمريكي. هذا الاتجاه يعكس نهجًا جديدًا أكثر تشددًا في التعامل مع التجارة العالمية، حيث تتشابك قضايا الاقتصاد مع الأمن القومي والسياسات التجارية بشكل متزايد.

شوبهام سينغال: هل تعتقد أن هذه التطورات ستسير في اتجاه إيجابي؟

مايكل فرومان: من المتوقع أن تشهد اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA) تعديلات أو إعادة تفاوض على بعض بنودها، بناءً على الدروس المستفادة خلال السنوات الماضية. ومع ذلك، فقد كانت الاتفاقية محل توافق واسع بين الحزبين في الكونغرس، ونتجت عن مفاوضات قادتها إدارة ترامب. لذلك، أعتقد أن إدارة ترامب ستسعى لتجديد العمل بالاتفاقية، ولكن ربما مع إدخال تغييرات جوهرية. من بين هذه التغييرات، قد يتم التركيز على معالجة قضايا مثل إعادة تصدير المنتجات عبر المكسيك أو استثمارات الشركات الصينية هناك كوسيلة لتجاوز التعريفات الجمركية والدخول إلى السوق الأمريكي.

شوبهام سينغال: برأيك، هل هناك فرص يمكن للشركات استغلالها لتحقيق مكاسب من التغييرات التي تسعى الحكومات إلى تنفيذها؟ وهل يمكن أن تفتح هذه التحولات الباب أمام فرص جديدة للنمو والتوسع؟

مايكل فرومان: نعم، هناك فرص حقيقية للشركات، خاصة تلك التي تدرس خيار إعادة بعض أنشطتها التصنيعية إلى بلدانها الأصلية أو تعديل مواقع سلاسل التوريد الخاصة بها لتصبح أكثر توافقًا مع التغيرات الراهنة. مثل هذه التحركات يمكن أن تمنح الشركات فرصة لفهم اتجاهات الاستثمار المستقبلية واستغلالها لتحقيق مكاسب تنافسية. لكن التحدي الأكبر يكمن في أن قرارات الشركات لا تستند إلى السياسات المؤقتة أو التصريحات السياسية قصيرة الأمد، بل تعتمد على توقعات طويلة المدى ورؤية استراتيجية واضحة. وفي ظل حالة عدم اليقين التي تحيط بمستقبل السياسات الاقتصادية والتجارية، يصبح من الصعب على الشركات وضع خطط مستدامة وواضحة. لذلك، تحتاج الشركات إلى التفكير بمرونة واستباقية لتتمكن من التكيف مع هذه التغيرات واستغلالها لصالحها.

ملامح النظام الاقتصادي العالمي الجديد

شوبهام سينغال: برأيك، هل تعكس هذه التقلبات تحولًا جذريًا من نموذج اقتصادي قائم إلى آخر جديد؟ وهل يمكن القول إننا نشهد ملامح إطار اقتصادي عالمي جديد يتشكل في ظل هذه التغيرات؟

مايكل فرومان: على الرغم من وجود انتقادات للنظام الاقتصادي القديم، إلا أنه حتى الآن لم يتم طرح إطار جديد وواضح ليحل محله. فعلى سبيل المثال، إذا كان النظام القائم على القواعد يمتلك قيمة حقيقية، فقد يكون لدينا تحفظات على بعض القواعد الحالية ونرغب في إعادة صياغتها أو تعديلها. ولكن يبقى هذا النظام القائم على القواعد عنصرًا ضروريًا للولايات المتحدة، سواء للعمال أو الشركات أو المزارعين ومربي الماشية، لأنه يوفر الاستقرار والتوقعات الواضحة. المبدأ الأساسي الذي يحكم القانون الدولي والنظام التجاري العالمي هو أن معظم الدول تلتزم بمعظم القواعد معظم الوقت. هذا الالتزام لا يضمن فقط استمرارية التجارة العالمية بسلاسة، ولكنه أيضًا يوفر درجة من التوازن والاستقرار التي يحتاجها العالم لمواجهة التحديات الاقتصادية الحالية والمستقبلية.

عندما تنهار القواعد، فإن ذلك يؤدي إلى حالة كبيرة من عدم اليقين، وهو أمر لا يخدم مصالحنا بأي شكل. ومع ذلك، نأمل أنه بمرور الوقت يمكننا تطوير مجموعة جديدة من القواعد التي تعيد الاستقرار للنظام الاقتصادي العالمي. قد لا تكون هذه القواعد شاملة لجميع الدول، بل موجهة إلى شريحة معينة من الاقتصاد العالمي. فمن غير المتوقع أن توافق جميع الدول على الانضمام إليها. بدلاً من ذلك، قد نرى تشكيل تحالفات من الدول المستعدة والطموحة، تلك التي تسعى إلى تطبيق معايير عالية وتوافق على الالتزام بقواعد جديدة ومتقدمة. هذه التحالفات يمكن أن تكون النواة الأولى لنظام اقتصادي حديث ومرن، حيث تعمل هذه الدول على تنفيذ تلك القواعد وتشجيع الدول الأخرى على الانضمام تدريجيًا، مما يخلق بيئة أكثر استقرارًا ووضوحًا على المدى الطويل.

شوبهام سينغال: كيف يؤثر التداخل بين الاعتبارات الأمنية والاقتصاد على القرارات والسياسات؟ وهل يمكننا أن نتوقع أن يظل هذا الترابط وثيقًا في المستقبل؟

مايكل فرومان: العلاقة بين الاقتصاد والأمن القومي أصبحت أكثر تعقيدًا وتشابكًا. في الماضي، كان يُنظر إلى الاقتصاد كقاعدة أساسية تدعم الأمن القومي، حيث كان الاقتصاد القوي يوفر الموارد المالية اللازمة لتمويل جيش قوي، يعزز النفوذ الدبلوماسي، ويدعم برامج المساعدات الخارجية. ببساطة، كان الاقتصاد يُعتبر الأداة التي تمكّن الأمن القومي من تحقيق أهدافه. لكن اليوم، تغيرت الأولويات. أصبح الأمن القومي نفسه عاملاً رئيسيًا يؤثر بشكل مباشر على القرارات الاقتصادية.

لقد أصبح عالم السياسات الاقتصادية والسياسات الأمنية أكثر ترابطًا من أي وقت مضى، حيث باتت الأدوات الاقتصادية تُستخدم بشكل متزايد لتحقيق أهداف الأمن القومي. على سبيل المثال، يتم فرض قيود على تصدير التقنيات المتقدمة، مثل الشرائح الإلكترونية المتطورة، لمنع وصولها إلى المنافسين والخصوم، وذلك للحفاظ على التفوق في مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي. هذا التوجه لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية فقط، بل يمتد ليشمل الأبعاد العسكرية والاستخباراتية. علاوة على ذلك، تُفرض قيود صارمة على الاستثمارات الأجنبية لمنع الشركات الأجنبية من الاستحواذ على شركات أمريكية تمتلك تقنيات متقدمة. كما تُمنع الشركات الأمريكية من الاستثمار في الخارج إذا كان ذلك قد يؤدي إلى نقل التكنولوجيا إلى دول أخرى، مما يعزز الحماية للأصول التكنولوجية الاستراتيجية. هذا التوجه يعكس حقيقة أن عودة المنافسة الجيوسياسية أعادت تشكيل الأولويات، وأصبح من الضروري دمج الاقتصاد والأمن القومي في استراتيجية واحدة شاملة. هذه المنافسة لن تقتصر على صراعات جيوسياسية، بل ستؤثر على كل جانب من جوانب السياسات الاقتصادية والأمنية، مما يجعل التكيف مع هذا الواقع الجديد ضرورة لا خيارًا.

Explore a career with us