في عام 2024، واجهت الصناعة ظروفًا معقدة، حيث تراجعت توقعات النمو، واستمر التضخم، وأصبح المستهلكون أكثر حذرًا في إنفاقهم، مما شكل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الشركات على الصمود. ومع ذلك، حقق القطاع معدل نمو سنوي بلغ 7% خلال الفترة من 2021 إلى 2024 ( اطلع على الشكل 1). لكن مع التطلع إلى الفترة من 2024 إلى 2029، تشير التوقعات إلى تباطؤ معدل النمو إلى 6% سنويًا، نتيجة لتراجع الأداء في أسواق رئيسية مثل آسيا والمحيط الهادئ، وأوروبا الغربية، وأمريكا اللاتينية. في ظل هذه التحولات، يصبح التكيف مع البيئة الاقتصادية المتغيرة مفتاحًا أساسيًا للحفاظ على النجاح، حيث يمكن للشركات الاستفادة من حالة عدم الاستقرار لتحويلها إلى فرص حقيقية للنمو.
يقدم تقرير هذا العام، "قطاع سلع الرياضة في 2025 أمام معادلة صعبة: كيف يوازن بين التحديات ويحوّلها إلى مكاسب؟" ، نظرة معمقة على الأولويات المزدوجة لشركات السلع الرياضية، حيث يتعين عليها تحقيق توازن دقيق بين تعزيز النمو وتحسين الإنتاجية في الوقت نفسه (اطلع على العمود الجانبي بعنوان، "تقرير عن صناعة السلع الرياضية العالمية"). ورغم التحديات التي تواجه الصناعة، فإن العلامات التجارية الكُبرى تبدو مستعدة لمواجهتها بثقة. فبحسب استطلاع حديث أجراه الاتحاد العالمي لصناعة السلع الرياضية (WFSGI)، أبدى 44% من المديرين التنفيذيين تفاؤلًا أو تفاؤلًا حذرًا بشأن عام 2025،1 مما يعكس إيمانًا بقدرتهم على استغلال الفرص وسط التقلبات المستمرة. كما يستعرض التقرير العوامل الرئيسية التي ستشكل مستقبل السوق خلال السنوات القادمة، مع تسليط الضوء على الاتجاهات الاستهلاكية التي قد تفتح أبوابًا جديدة للنمو، مما يجعل هذه المرحلة فرصة حقيقية لإعادة تشكيل القطاع وتحقيق نجاح مستدام.
السعي وراء النمو وإعادة التفكير في سلسلة القيمة
يتناول الفصل الأول من التقرير كيفية تحقيق التوازن بين زيادة الإيرادات وتحسين الإنتاجية، خاصة مع توجه المستهلكين إلى إعادة تقييم إنفاقهم على الكماليات. وفي ظل استمرار تأثير التضخم، تجد الشركات نفسها بحاجة إلى تبني استراتيجيات تقلل من تداعياته طويلة الأمد للحفاظ على تنافسيتها في السوق.
لكن التحديات لا تقتصر على العوامل الاقتصادية فقط، إذ أعرب 84% من المديرين التنفيذيين في صناعة السلع الرياضية عن قلقهم إزاء التأثيرات المحتملة للاضطرابات السياسية والاقتصادية العالمية على أعمالهم.2 ومن المتوقع أن تؤدي أي زيادات في التعريفات الجمركية خلال العام الجاري إلى تأثيرات واضحة على استراتيجيات التسعير وإدارة سلاسل التوريد، مما قد ينعكس على قرارات المستهلكين ويؤثر على الإنفاق في الفئات غير الأساسية، مثل السلع الرياضية. لمواجهة هذه التحديات، يمكن للشركات تسريع جهودها في تقليل المخاطر وتنويع مصادر التوريد من خلال إعادة تقييم خريطة سلسلة التوريد واستراتيجيات إدارة المخزون. كما يمكن أن يشكّل تعزيز الكفاءة التشغيلية عبر الأتمتة والتقنيات الرقمية عنصرًا أساسيًا في تحسين مرونة الأعمال، ما يساعد الشركات على التكيف مع تقلبات السوق وتحقيق نمو مستدام.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
لا تزال الاستدامة ومعايير البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة ضمن أولويات شركات السلع الرياضية، إلا أن العوامل الخارجية والاعتبارات التجارية تفرض على المديرين التنفيذيين اتخاذ قرارات صعبة، مما أدى إلى تراجع ترتيب هذه الأولوية مقارنة بالعام الماضي. وفقًا للاستطلاع، أكد نصف المديرين التنفيذيين في قطاع السلع الرياضية أن الاستدامة تمثل أولوية لشركاتهم في عام 2025، مقارنةً بحوالي ثلثيهم في العام السابق.3 كما يسلط التقرير الضوء على أهمية تنويع سلاسل التوريد كإجراء أساسي للحد من المخاطر وتعزيز استقرار العمليات التشغيلية.
أما الفصول الأربعة المتبقية من التقرير، فتسلط الضوء على القضايا الرئيسية التي ستشغل بال المديرين التنفيذيين خلال العام المقبل، مع استعراض الاتجاهات والاستراتيجيات التي قد تشكل ملامح مستقبل القطاع.
الخمول البدني: فرصة ضخمة غير مستغلة في قطاع السلع الرياضية
على الرغم من الفوائد العديدة لممارسة النشاط البدني، ارتفعت نسبة البالغين غير النشطين من 26% عام في 2010 إلى 31% في 2022 (اطلع على الشكل 2). وما يثير القلق أكثر هو تقديرات منظمة الصحة العالمية التي تتوقع وصول معدلات الخمول إلى 35% بحلول 2030، مما قد يؤدي إلى آثار سلبية على الصحة العامة والصناعات المرتبطة بالنشاط البدني.4
ولا تقتصر آثار الخمول البدني على الأفراد فحسب، بل تمتد لتشكل تحديًا جوهريًا لصناعة السلع الرياضية. فاستمرار ارتفاع معدلات قلة النشاط، أو حتى ثباتها بين الأجيال الشابة، قد يؤدي إلى تقلص السوق المعتمد على النشاط البدني. ومع ذلك، فإن تحفيز الفئات غير النشطة قد يكون الفرصة الأكبر غير المستغلة أمام هذا القطاع. فالسوق المحتمل ضخم للغاية، إذ يبلغ عدد الأشخاص الذين لا يمارسون النشاط البدني بالمستويات الموصى بها من قِبل منظمة الصحة العالمية 1.8 مليار شخص، أي ضعف عدد السكان البالغين في الهند.
الخبر السار هو أن شركات السلع الرياضية تمتلك فرصة ذهبية لاتخاذ خطوات مبتكرة وفعالة لتحفيز الناس على ممارسة المزيد من النشاط البدني. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إزالة العقبات التي تمنعهم من ممارسة الرياضة، سواء عبر تطوير منتجات جديدة، أو إطلاق حملات توعوية، أو تشجيع الشباب على المشاركة في الأنشطة البدنية. وفي الواقع، بعض العلامات التجارية بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات عملية لمواجهة هذه التحديات. على سبيل المثال، طورت أديداس خط إنتاج "ستاي إن بلاي"، بينما أطلقت نايكي مجموعة من الملابس المحتشمة، مما يساعد على التغلب على الحواجز الثقافية التي قد تمنع البعض من ممارسة الرياضة. كما أطلقت نيو بالانس حملة "رن يور واي"، وقدمت أسيكس مبادرة "ذا ديسك بريك"، وكلاهما يهدف إلى رفع الوعي بأهمية النشاط البدني وتحفيز الأفراد على التحرك أكثر. أما شيمانو، فاتخذت نهجًا مختلفًا، حيث تتعاون مع الأندية المدرسية لتعليم الأطفال ركوب الدراجات، مما يساعد على ترسيخ ثقافة النشاط البدني منذ الصغر.
نمط الحياة النشط كجزء من الهوية الشخصية
مع تزايد معدلات الخمول البدني عالميًا، تبرز في المقابل فئة من المستهلكين الذين أصبحوا أكثر التزامًا بنمط حياة نشط. وتكشف أحدث دراسات ماكنزي في قطاع السلع الرياضية عن اتساع الفجوة بين الفئات النشطة وغير النشطة بدنيًا، حيث يزداد تباعد المستويات بينهما. 5 أما بالنسبة للأشخاص المنخرطين في النشاط البدني، لم تعد الرياضة مجرد ممارسة عرضية، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من روتينهم اليومي وعاملًا مهمًا في تشكيل هويتهم الشخصية. وهذا التغير لا يظهر فقط في انتشار الملابس الرياضية اليومية خلال العقد الماضي، بل يعكس تحولًا أعمق، حيث بات أسلوب الحياة النشط عنصرًا جوهريًا لدى شريحة متزايدة من المستهلكين (اطلع على الشكل 3).
يمثل هذا الاتجاه فرصة كبيرة للعلامات التجارية في قطاع السلع الرياضية لتقديم منتجات تلبي احتياجات المستهلكين النشطين، سواء من الناحية العملية أو العاطفية، مما يعزز علاقتهم بالعلامة التجارية على المدى الطويل. ومن خلال فهم أعمق للدوافع التي تؤثر على قرارات الشراء، يمكن للشركات تطوير منتجات واستراتيجيات تسويقية تتماشى مع أسلوب حياة المستهلكين وتلبي تطلعاتهم، ما يسهم في تحسين تجربتهم وترسيخ ولائهم للعلامة التجارية.
إعادة توزيع الحصص السوقية: كيف تتغير موازين القوى في صناعة السلع الرياضية؟
خلال السنوات العشر الماضية، شهد سوق السلع الرياضية تحولًا كبيرًا مع ظهور العديد من العلامات التجارية الجديدة، سواء من خلال شركات الأزياء العامة التي وسّعت نشاطها ليشمل الملابس الرياضية، أو من خلال علامات متخصصة ركزت على مجالات محددة مثل الجري، اليوغا، ركوب الدراجات، أو الملابس الرياضية المخصصة للصالة الرياضية. هذا التخصص منح العلامات الناشئة قدرة أكبر على التواصل مع المستهلكين الذين يبحثون عن منتجات تعكس هويتهم الشخصية، بدلاً من العلامات التجارية التقليدية التي تستهدف الجميع. ومع تراجع العوائق أمام دخول السوق، ازدادت حدة المنافسة، مما أتاح للعلامات الجديدة فرصة حقيقية لمنافسة الشركات الكُبرى. وتشير البيانات إلى أن هذه العلامات الناشئة حققت معدلات نمو وإيرادات تفوقت على عمالقة الصناعة مثل أديداس ونايكي، ما أدى إلى تراجع حصتهم السوقية. فمنذ عام 2019 وحتى 2024، سجلت الشركات الرياضية الناشئة والمدرجة في البورصة نموًا أسرع، مما أدى إلى انخفاض الحصة السوقية لأكبر شركتين بنحو ثلاث نقاط مئوية خلال هذه الفترة (انظر الشكل 4).6
العلامات التجارية الناشئة تحقق نموًا سريعًا لأنها تعرف كيف تستغل الفرص الجديدة وتوسع نطاق انتشارها بطرق ذكية. يكمن سر نجاحها في قدرتها على تقديم قيمة مميزة للمستهلك، وابتكار منتجات قابلة للتوسع، واستخدام استراتيجيات تسويقية تعزز ارتباطها بثقافة الجمهور المستهدف. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد على توزيع مدروس يجمع بين البيع بالجملة والبيع في متاجر مختارة بعناية، مما يساعدها على الوصول إلى شريحة واسعة من المستهلكين وتعزيز مكانتها في السوق.
مع تزايد العلامات التجارية الرياضية التي تبني علاقات قوية مع المستهلكين وتُلبي احتياجاتهم بشكل مميز، تواجه الشركات الطموحة تحديًا كبيرًا: كيف يمكنها التوسع وزيادة حصتها في السوق دون أن تفقد هويتها الفريدة؟ يناقش التقرير مسارين رئيسيين للنمو المستقبلي. الأول هو نموذج "العلامات المستقلة"، حيث تركز الشركة على تطوير استراتيجيات فعالة لتعزيز مكانتها بنفسها. أما الثاني، فهو نموذج "مجموعات العلامات"، حيث تتوسع الشركات من خلال الاستحواذ على علامات أخرى، مما يساعدها على الوصول إلى شرائح أوسع من المستهلكين. وفي ظل المنافسة المتزايدة، يصبح من الضروري أن يحدد المديرون التنفيذيون استراتيجيات واضحة ومدروسة لضمان استمرار نجاحهم وتعزيز حضورهم في السوق.
الازدهار المتزايد للرياضة الحية والترفيه: فرصة جديدة لشركات السلع الرياضية
عاد الاهتمام بالرياضة واللياقة البدنية بقوة، حيث أصبح الناس أكثر إقبالًا على التمارين في الصالات الرياضية وحضور المباريات والفعاليات الرياضية. هذا التطور يمنح شركات السلع الرياضية فرصة كبيرة لإعادة التفكير في طرق تسويق منتجاتها والتواصل مع المستهلكين بشكل أكثر فعالية لتحقيق نمو أكبر.
كشف تقرير ماكينزي عن السلع الرياضية أن 81% من المستهلكين شاركوا في دروس لياقة بدنية مباشرة خلال العام الماضي، وهو ما يفوق بأكثر من الضعف عدد الذين لجأوا إلى الدروس الرياضية عبر الإنترنت. يرجع هذا الإقبال إلى أن التمارين الجماعية تمنح المشاركين دافعًا أكبر للاستمرار، وتخلق أجواء حماسية مليئة بالطاقة، إلى جانب تعزيز الشعور بالانتماء وإتاحة فرصة للتواصل الاجتماعي.
بعد فترة العزلة التي فرضتها جائحة كورونا، عاد الإقبال على الفعاليات الحية بقوة خلال السنوات الأخيرة. وتشير تقديرات ماكينزي إلى أن سوق تذاكر هذه الفعاليات تجاوز 100 مليار دولار عالميًا في 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى 150 مليار دولار بحلول 2030 (اطلع على الشكل 5). هذا النمو السريع أدى إلى ظهور مفاهيم جديدة تمزج بين الرياضة والترفيه والتسوق، إلى جانب تطوير مسابقات رياضية بأسلوب أكثر تشويقًا، فضلًا عن ازدهار المحتوى الرياضي المخصص للجماهير.
مع تزايد اهتمام المستهلكين بتجارب رياضية واجتماعية تدمج بين التفاعل المباشر والترفيه، أصبح أمام العلامات التجارية الرياضية فرصة كبيرة لتقديم عروض متكاملة تُلبي احتياجات الجماهير، سواء كانوا متواجدين في الحدث فعليًا أو يتابعونه عبر الإنترنت. فمن خلال الجمع بين التجارب الحية والرقمية، يمكن لهذه العلامات توسيع نطاق تأثيرها وتعزيز فرص نموها. كما أن الدخول في شراكات استراتيجية أو تنظيم فعاليات خاصة بها يمنحها فرصة أقوى للاندماج في عالم الترفيه والرياضة، مما يزيد من تفاعل الجمهور معها ويعزز ارتباطهم بالعلامة التجارية.
مرّ قطاع السلع الرياضية بمرحلة إعادة ضبط خلال العام الماضي، حيث واجهت الشركات تحديات متفاوتة في طريق التعافي. لكن النجاح في المستقبل سيكون من نصيب العلامات التجارية التي تستطيع التكيف بسرعة مع تغيّرات سلوك المستهلكين، وتحسين كفاءة سلاسل التوريد، وتعزيز عملياتها التشغيلية. ومع تنفيذ هذه الاستراتيجيات بفعالية، يمكن للصناعة أن تمضي قدمًا نحو نمو مستدام ومسار تصاعدي قوي.